الامام علي ع شعلة الحق الوضاءة
كفؤ البتول عليا لم تزل أفقي أبا تراب أنت الحاضر الأزلي
منذ قرون مضت وحتى يومنا هذا يجمع أكثر المهتمين بالتأريخ البشري على أنه لم تلد الأمهات مثل علي بن أبي طالب(ع).وهو الوحيد الذي ولد في بيت الله الحرام ، حين أنشق جدار الكعبة لأمه الطاهرة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشية فدخلت الى بيت الله وباب الكعبة كان مقفولا ، وتلك لعمري آية ربانية تدل على ابراز أهمية المولود من قبل خالقه ، والا لأنفتح الباب وكان الدخول منه أمرا أقل ذي شأن من أنشقاق الحائط المسمى اليوم بالمستجار.فهل في ذلك أمر غير الأعجاز الألهي !؟
والجدير بالملاحظة أن أثر الأنشقاق في الجدار لازال قائما حتى يومنا هذا مع محاولات آل سعود التي لم تفلح في ملئه فضة لطمس حقيقته وكما فعلت بني أمية من قبل في محو فضائله وطمس لطيف شمائله التي عمدوا بتزويرها في اسدال الستار على تلك الأهمية الخاصة التي أرادها الله سبحانه وتعالى لعلي (ع) وتميزه عن سائر خلق الله عز وجل. ولأن المستجار لم يكن ليستجيب الا لارادة ربانية واحدة تلك هي ارادة المولى سبحانه فها هو باق معلما بارزا ليدل على أهمية الحدث وعظمة صاحبه وكرامة من كرامات الله عزوجل التي لم ينالها أو يصل اليها أي فرد من البشر غير علي عليه السلام .
كانت ولادة الأمام في يوم الجمعة 13 من رجب بعد مضي 30 سنة على عام الفيل .لم يذكر المؤرخون ولادته فقط في البيت الحرام بل أن والدته قد بقت مدة ثلاثة أيام فيه بعد الولادة وفي ذلك ايضا نوع من التفضيل حيث ذكر تلك الحادثة وأرخ هذه المفخرة من شعراء القرن الثاني السيد الحميري بقوله :
ولدته في حرم الاله وأمنه والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة طابت وطاب وليدها والمولد
ما لف في خرق القوابل مثله الا أبن آمنة النبيّ محمد
وهو أول المسلمين أسلاما (ع) ، وهو الوحيد الذي فدى بنفسه رسول الله (ص) حيث بات في فراشه ليلة هجرته من مكة الى المدينة ولم يبالي خطر مهاجمة قريش لقتله ، وهو الاول من بايع الرسول (ص) ، وهو الوحيد الذي اوكل اليه النبيّ(ص) ان يرد الودائع والامانات الى أهلها وان يؤدي عنه كل دين في هجرته وعند وفاته (ص) .وحين خرج مهاجرا بعد النبي (ص) خرج بفاطمة(ع) زوجته بنت الرسول (ص) وأمه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب (عمته).
صبر علي كبر شجاعته فهو الذي تحمل سنين طوال أغتصاب حقه الآلهي والمعزز بالنصوص السماوية في قيادة الأمة . وعند نهاية المطاف كان ينتظر تغيير الأوضاع ليتسنى له ممارسة دوره من دون رغبة منه في الزعامة والرئاسة لغرضها الذي يذهب اليه العديد من الناس في التحكم بالعباد ، ولكن لأحقاق الحق ودحضا للباطل خاصة بعدما ظهر الفساد واستشرى الظلم في جميع مفاصل الدولة بعد سيطرة بني أمية على مقاليد الأمور وتحكمهم برؤوس المسلمين حتى غدا الأسلام أسيرا على حد قوله هو (ع) نتيجة توليهم المناصب المهمة التي أتاحتها فرصة حكم عثمان وخلافته التي عرفت بتعصبها لخاصة قومه من بني أمية فأصبحوا ولاة على مدن الدولة الأسلامية. ولم يتوقع الأمام (ع) مقتل عثمان رغم تحسبه لما ستأول اليه الأموربعد الأنحراف الذي حصل في مؤسسة الدولة وما تخفيه العواقب التي ستنهي هذا الوضع المتأزم .
فكان يستشعر (ع) خطورة مابعد حركة الأطاحة بعثمان وما سيؤدي فعل الثوار نتيجة تصفيتهم للخليفة من دمار وقتل وفتنة ، ولهذا كان يرسل ولداه الأمامين الحسن والحسين عليهما السلام مرة للتفاوض مع الثوار في حل الأزمة سلميا دون هدر قطرة دم واحدة من دماء المسلمين واذا لم تنفع المحاولات تلك يأمرهم بحماية الخليفة والدفاع عنه مرة أخرى .ولم تنفع تلك المحاولات فلقد وثب الثوار في نهاية الأمر على عثمان وقتلوه وفي أعتقادي كان ليس الظلم وحده هو السبب وراء التخلص من عثمان ، بل أن حالة الضياع التي وصل اليها المجتمع الأسلامي من خلال فقدان عنصر التوازن في الأمة والمتمثل في أتباع نهج القيادة الحقيقية كان سببا في العزوف عن الأحتكام الى منطق العقل ، فحصلت الفوضى وتواصل التخبط الى أن تتبع المجرم مسلسل الهمجية فكانت محاولة أغتيال الأمام (ع) وهو ساجدا يصلي ليكون أستشهاده ايضا في بيت من بيوت الله بعد مواجهة ابتلاءات عظيمة لتصحيح الأعوجاج الذي كان وراءه تركة الحكم الفاسد .ومن يوم وقوف الأمام (ع) لمبايعة النبيّ(ص) في صدر الرسالة وقريش تستهزأ وحتى لحظة أستشهاده لم يعرف عظمة الأمام الا ثلة قليلة من المسلمين ، كانوا خلّص أتباعه !
ويالسوء حظ هذه الأمة التي لم تقدر مكانته ولم تحفظ منزلته وصلة القرابة التي بينه وبين نبيها الخاتم ، فلقد خرج من بين صفوفها أشقى الأشقياء ولطالما وجد الأحسان من قبل أمير المؤمنين ولكثرة ما منحه من كرمه وحسن معاملته ولكن الطبع الغادر صفة أبناء الحرام ، فلم ينفع مع أبن ملجم لعنه الله أي شيء من هذا الفضل وكان للشياطين عضدا وعلى أولياء الله خصما وضدا وحتى بعد تعديه على الأمام ، فأن عدل الأمام وعطفه لم يحرم منه فكان (ع) يوصي به اولاده بأن لا يمثّلوا به أو يعذبوه وانما ضربة بضربة وان كان قد نجا منها فعليهم تخلية سبيله !